فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي
الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن ذلك هو
التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشئ من المعاني، والحاذق منهم يظن أن معناها لا
يخلق ولا يرزق إلا الله ، ولا يدبر الأمر إلا الله، فلا خير في رجل جهال الكفار
أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله.
إذا عرفت ما ذكرت لك معرفة قلب، وعرفت الشرك بالله الذي قال
الله فيه: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ [النساء:48] وعرفت دين الله الذي أرسل به الرسل من أولهم إلى
آخرهم الذي لا يقبل الله من أحد سواه، وعرفت ما أصبح غالب الناس عليه من الجهل
بهذا أفادك فائدتين:
الأولى: الفرح بفضل الله وبرحمته، كما قال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ
هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].
وأفادك أيضاً الخوف العظيم، فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر
بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهل، فلا يعذر بالجهل، وقد يقولها وهو
يظن أنها تقربه إلى الله تعالى كما كان يفعل الكفار المشركون، خصوصاً إن ألهمك
الله ما قص عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم، أنهم أتوه قائلين: اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138]. فحينئذٍ يعظم حرصك وخوفك على ما يخلصك من هذا
وأمثاله.
وأعلم أنه سبحانه من حكمته لم يبعث نبياً بهذا التوحيد إلا
جعل له أعداء كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ
الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ
غُرُوراً [الأنعام:112].
وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج كما قال تعالى: فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم
مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [غافر:83].
إذا عرفت ذلك، وعرفت أن الطريق إلى الله لا بد له من أعداء
قاعدين عليه أهل فصاحة وعلمٍ وحُجج، فالواجب عليك أن تتعلم من دين الله ما
يصير لك سلاحاً تقابل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل: لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ
لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن
شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17،16].
ولكن إذا أقبلت على الله، وأصغيت إلى حججه وبيناته، فلا تخف
ولا تحزن إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76]، والعامي من الموحدين يغلب ألفاً من علماء
هؤلاء المشركين، كما قال تعالى: وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:173]، فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان ،
كما أنهم
الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس
معه
سلاح، وقد من الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:89] فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها
ويبين بطلانها، كما قال تعالى: وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ
تَفْسِيراً [الفرقان:33]، قال بعض المفسرين: هذه الآية عامة في كل حجة
يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
Terima kasih telah membaca artikel kami. Besar harapan kami untuk bisa membaca komentar para pengunjung. Dan berkomentar lah dengan nama (jangan anonim), dan jika berkenan isikan email/website anda supaya saya bisa mengunjungi balik anda semua. terima kasih.